{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)}.التفسير:{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ...} بهذا الإعلام الصارخ المدوى تبدأ السورة الكريمة، منذرة الناس بهذا اليوم العظيم، يوم القيامة، منبهة لهم من غفلتهم، ملفتة لهم إلى ما هنالك من أهوال تشيب منها الولدان.والإعلان عام للناس جميعا، مؤمنهم وكافرهم، المنتبه لهذا اليوم، والمعدّ نفسه له، ومن أنكره وكفر به، أو كان في غفلة عنه.وذلك التعميم الذي يشمل الناس جميعا، إنما هو لأن أهوال هذا اليوم لا يكاد يتصورها أحد، لأنها تخرج عن دائرة التصور البشرى، وتجىء على صورة لم تقع للناس في حياتهم الأولى، على رغم ما وقع لهم من أهوال، وما نزل بهم من بلاء.. ومن هنا كان الذين يؤمنون بالآخرة، ولا يعملون لها، مطالبون بأن ينتبهوا، وأن يعملوا أكثر مما عملوا.. فإنهم- على يقظتهم، وعلى خوفهم من لقاء ربّهم، وعلى إعدادهم ليوم اللقاء- إنهم مع هذا كله أشبه بالغافلين.. فإن الهول شديد، وأن الموقف لا يمكن تصوره.. ومن هنا أيضا كان المؤمن في حاجة دائمة إلى تذكر هذا اليوم، وإلى الحياة معه، وإلى العمل له، وإنه مهما أكثر من عمل، فإنه قليل إلى المطلوب منه لهذا اليوم، لو علم هوله، وتصور صورته.وقوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} هو عرض لهذا اليوم العظيم، وما يقع فيه من أهوال، وما يطلع به على الناس من مفزعات.. والزلزلة، الهزّة والرّعدة، وهى الإرهاصات التي تقوم بين يدى هذا اليوم.قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.هو لقطات من مشاهد هذا اليوم.. فمجرد رؤية ما يطلع في هذا اليوم، يأخذ على الناس عقولهم، وأسماعهم وأبصارهم.. فتذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت، وتضع كلّ ذات حمل حملها.. حيث لا يملك أحد- مع هذا البلاء- شيئا من نفسه، فتتعطل فيه الأجهزة العاملة الإرادية منها وغير الإرادية.ويصبح مجرد شبح يتحرك كما تتحرك الأشباح! والصورة هنا مجازية، فليس هناك مرضع حتى تذهل عن رضيعها، ولا حامل حتى تلقى بما في رحمها.. والمراد أنه لو طلعت الساعة على الناس في دنياهم، وأرتهم زلزلة منها، لذهلت كل مرضعة عما أرضعت، ولألقت كل ذات حمل حملها.. ويجوز أن يكون المراد بوضع الحمل العموم والشمول، أي كل شيء يحمل، سواء أكان ما في الأرحام من أجنة، أو ما مع الناس من أمور يشغلون بها، ويحرصون عليها.. وبهذا يكون المراد بذات الحمل: النفس.ويمكن أن تكون هذه الصورة حقيقية، وأن من يشهد من الناس إرهاصات الساعة، ونذرها، قبل أن تقع، يقع لهم هذا.. فكيف بالساعة نفسها، حين ينكشف أمرها كله؟.وقوله تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.هو عرض لصورة من صور الساعة بين يدى نذرها.. فهذه النذر تقلب أوضاع الحياة، وتطلع على الناس بما لم يروه في حياتهم من مذهلات.. وهذا ما بشير إليه قوله تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا.. يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا.. بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ} [97: الأنبياء].